سورة الواقعة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} قد تقدم أنه بمعنى التعجب من حالتهم وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ثم بين منقلبهم وما أعد لهم من العذاب فقال تعالى: {في سموم} أي في حر النار وقيل في ريح شديد الحرارة {وحميم} أي ماء حار يغلي، {وظل من يحموم} يعني في ظل من دخان شديد السواد قيل إن النار سواد وأهلها سود وكل شيء فيها أسود وقيل اليحموم اسم من أسماء النار {لا بارد ولا كريم} يعني لا بارد المنزل ولا كريم المنظر وذلك لأن فائدة الظل ترجع إلى أمرين أحدهما دفع الحر والثاني حسن المنظر وكون الإنسان فيه مكرماً وظل أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار، ثم بين بما استحقوا ذلك فقال تعالى: {إنهم كانوا قبل ذلك} يعني في الدنيا، {مترفين} يعني منعمين {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} يعني على الذنب الكبير وهو الشرك وقيل الحنث العظيم اليمين الغموس وذلك أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك يدل عليه سياق الآية وهو قوله تعالى: {وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} فرد الله تعالى عليهم بقوله: {قل إن الأولين والآخرين} يعني الآباء والأبناء، {لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} يعني أنهم يجمعون ويحشرون ليوم الحساب {ثم إنكم أيها الضالون} يعني عن الهدى {المكذبون} أي بالبعث والخطاب لكفار مكة وقيل إنه عام مع كل ضال مكذب، {لآكلون من شجر من زقوم} تقدم تفسيره {فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم} يعني الإبل العطاش قيل إن الهيام داء يصيب الإبل فلا تروى معه ولا تزال تشرب حتى تهلك وقيل الهيم الأرض ذات الرمل التي لا تروى بالماء قيل يلقى على أهل النار العطش فيشربون من الحميم شرب الهيم فلا يروون {هذا نزلهم} يعني ما ذكر من الزقوم والحميم أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم {يوم الدين} يعني يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث بقوله تعالى:


{نحن خلقناكم} يعني ولم تكونوا شيئاً وأنتم تعلمون ذلك {فلولا} أي فهلا {تصدقون} يعني بالبعث بعد الموت.
قوله عز وجل: {أفرأيتم ما تمنون} يعني ما تصبون في الأرحام من النطف {أأنتم تخلقونه} أي أنتم تخلقون ما تمنون بشراً {أم نحن الخالقون} أي إنه خلق النطفة وصورها وأحياها فلم لا تصدقون بأنه واحد قادر على أن يعيدكم كما أنشأكم احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق، {نحن قدرنا بينكم الموت} يعني الآجال فمنكم من يبلغ الكبر والهرم ومنكم من يموت صبياً وشاباً وغير ذلك من الآجال القريبة والبعيدة وقيل معناه إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء شريفهم ووضيعهم فعلى هذا القول يكون معنى قدرنا قضينا، {وما نحن بمسبوقين} يعني لا يفوتني شيء أريده ولا يمتنع مني أحد وقيل معناه وما نحن بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم وهو قوله تعالى: {على أن نبدل أمثالكم} أي نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم في أسرع حين {وننشئكم} أي نخلقكم {فيما لا تعلمون} أي من الصور والمعنى نغير حليتكم إلى ما هو أسمح منها من أي خلق شئنا وقيل نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم أي إن أردنا أن نفعل ذلك بكم ما فاتنا، وقال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون في حواصل طيور سود كأنها الخطاطيف تكون ببرهوت وهو واد باليمن وهذه الأقوال كلها تدل على المسخ وعلى أنه لو شاء أن يبدلهم بأمثالهم من بني آدم قدر ولو شاء أن يمسخهم في غير صورهم قدر، وقال بعض أهل المعاني هذا يدل على النشأة الثانية يكونها الله تعالى في وقت لا يعلمه العباد ولا يعلمون كيفيته كما علموا الإنشاء الأول من جهة التناسل ويكون التقدير على هذا وما نحن بمسبوقين على أن ننشئكم في وقت لا تعلمونه يعني وقت البعث والقيامة، وفيه فائدة وهو التحريض على العمل الصالح لأن التبديل والإنشاء هو الموت والبعث وإذا كان ذلك واقعاً في الأزمان ولا يعلمه أحد فينبغي أن لا يتكل الإنسان على طول المدة ولا يغفل عن إعداد العدة {ولقد علمتم النشأة الأولى} أي الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئاً وفيه تقرير للنشاة الثانية يوم القيامة {فلولا تذكرون} أي بأني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم أول مرة.
قوله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون} لما ذكر الله تعالى ابتداء الخلق وما فيه من دلائل الوحدانية ذكر بعده الرزق لأن به البقاء وذكر أموراً ثلاثة المأكول والمشروب وما به إصلاح المأكول والمشروب ورتبه ترتيباً حسناً فذكر المأكول أولاً لأنه هو الغذاء وأتبعه المشروب لأن به الاستمراء ثم النار التي بها الإصلاح وذكر من أنواع المأكول الحب لأنه هو الأصل ومن المشروب الماء لأنه أيضاً هو الأصل وذكر من المصلحات النار لأن بها إصلاح أكثر الأغذية، فقوله أفرأيتم ما تحرثون أي ما تثيرون من الأرض وتلقون فيه البذر {أأنتم تزرعونه} أي تنبتونه وتنشئونه حتى يشتد ويقوم على سوقه {أم نحن الزارعون} معناه أأنتم فعلتم ذلك أم الله ولا شك في أن إيجاد احب في السنبل ليس بفعل أحد غير الله تعالى وإن كان إلقاء البذر من فعل الناس، {لو نشاء لجعلناه} يعني ما تحرثونه وتلقون فيه من البذر، {حطاماً} أي تبناً لا قمح فيه وقيل هشيماً لا ينتفع به في مطعم ولا غيره وقيل هو جواب لمعاند يقول نحن نحرثه وهو بنفسه يصير زرعاً لا بفعلنا ولا بفعل غيرنا فرد الله عليّ هذا المعاند بقوله لو نشاء لجعلناه حطاماً فهل تقدرون أنتم على حفظه أو هو يدفع عن نفسه بنفسه تلك الآفات التي تصيبه ولا يشك أحد في أن دفع الآفات ليس إلا بإذن الله وحفظه، {فظلتم تفكهون} أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم وقيل تندمون على نفقاتكم وقيل تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي أوجبت تلك العقوبة وقيل تتلاومون وقيل تحزنون وقيل هو تلهف على ما فات.


{إنا لمغرمون} أي وتقولون فحذف القول ومعنى الغرم ذهاب المال بغير عوض وقيل معناه لموقع بنا وقال ابن عباس رضي الله عنهما لمعذبون يعني أنهم عذبوا بذهاب أموالهم بغير فائدة والمعنى إنا غرمنا الحب الذي بذرناه فذهب بغير عوض، {بل نحن محرومون} أي ممنوعون والمعنى حرمنا الذي كنا نطلبه من الريع في الزرع، {أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} ذكرهم الله تعالى نعمه عليهم بإنزال المطر الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: {لو نشاء جعلناه أجاجاً} قال ابن عباس شديد الملوحة وقيل مراً لا يمكن شربه {فلولا} أي فلا {تشكرون} يعني نعمة الله عليكم {أفرأيتم النار التي تورون} يعني تقدحون من الزند {أأنتم أنشأتم شجرتها} يعني التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار وهما شجرتان تقدح منهما النار وهما رطبتان وقيل أراد جميع الشجر الذي توقد منه النار {أم نحن المنشئون نحن جعلناها} يعني نار الدنيا {تذكرة} أي للنار الكبرى إذا رأى الرائي هذه النار ذكر بها نار جهنم فيخشى الله ويخاف عقابه وقيل موعظة يتعظ بها المؤمن.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها» {ومتاعاً} أي بلغة ومنفعة {للمقوين} يعني للمسافرين والمقوي النازل في الأرض القواء وهي القفر الخالية البعيدة من العمران والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والسفار فإن منفعتهم أكثر من المقيم فإنهم يوقدونها بالليل لتهرب الشماع ويهتدي بها الضال إلى غير ذلك من المنافع هذا قول أكثر المفسرين وقيل المقوين الذين يستمتعون بها في الظلمة ويصطلون بها من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز إلى غير ذلك من المنافع وقيل المقوي من الأضداد يقال للفقير مقو لخلوه من المال ويقال للغني مقو لقوته على ما يريد والمعنى أن فيها متاعاً ومنفعة للفقراء والأغنياء جميعاً لا غنى لأحد عنها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5